(1)
ضَمَّنِي،
ثُمَّ أَوقَفَنِي فِي الرِّمَالْ
ودَعَانِي:
بِمِيمٍ وحَاءٍ ومِيمٍ ودَالْ
واسْتَوى سَاطِعَاً فِي يَقِينِي،
وقَالْ:
أَنْتَ والنَّخْلُ فَرْعَانِ
أَنْتَ افْتَرَعْتَ بَنَاتَ النَّوى
ورَفَعْتَ النَّواقِيسَ
هُنَّ اعْتَرَفْنَ بِسِرِّ النَّوى
وعَرَفْنَ النَّوامِيسَ
فَاكِهَةَ الفُقَرَاءِ
وفَاكِهَةَ الشُّعَرَاءِ
تَسَاقَيتُمَا بِالخَلِيطَينِ:
خَمْراً بَرِيئاً وسِحْراً حَلالْ
****
أَنْتَ والنَّخْلُ صِنْوان
هَذَا الذي تَدَّعِيهِ النَّيَاشِينُ
ذَاكَ الذي تَشْتَهِيهِ البَّسَاتِينُ
هَذَا الذي
دَخَلَتْ إلَى أَفْلاكِهِ العَذْرَاءْ
ذَاكَ الذي
خَلَدَت إلَى أَكْفَالِهِ العَذْرَاءْ
هَذَا الذي فِي الخَرِيفِ احْتِمَالٌ
وذَاكَ الذي فِي الرَّبِيعِ اكْتِمَالْ
****
أَنْتَ والنَّخْلُ طِفْلاَنْ
طفلٌ يَتَرَدَّدُ بَينَ الفُصُول
وطفلٌ يُرَدِّدُ بَينَ الفُصُولْ:
أصَادِقُ الشَّوارِعْ
والرَّمْلَ والْمَزَارِعْ
أصَادِقُ النَّخِيلْ
أصَادِقُ المَدِينَةْ
والبَحْرَ والسَّفِينَةْ
والشَّاطِئَ الجَمِيلْ
أصَادِقُ البَلابِلْ
والمَنْزِلَ المُقَابِلْ
والعَزْفَ والهَدِيلْ
أصَادِقُ الحِجَارِةْ
والسَّاحَةَ المُنَارَةْ
والمَوسِمَ الطَّوِيلْ
***
أَنْتَ والنَّخْلُ طِفْلان
طِفْلٌ قَضَى شَاهِداً فِي الرِّجَالِ
وطِفْلٌ مَضَى شَاهِراً لِلجَمَالْ
***
أَنْتَ والنَّخْلُ سِيَّان
قَدْ صِرْتَ دَيدَنَهُنَّ
وهُنَّ يَدَاكْ
وصِرْتَ سِمَاكاً عَلَى سَمْكِهِنَّ
وهُنَّ سَمَاكْ
وهُنَّ شَهِدْنَ أفُولَ الثُّرَيَّا
وأَنْتَ رَأَيتَ بُزُوغَ الهِلاَلْ
***
تَسْرِي الدِّمَاءُ مِنَ العُذُوقِ
إلَى العُرُوقْ
فَتَنْتَشِي لُغَةُ البُرُوقْ:
• أَيُّ بَحْرٍ تُجِيدْ
أَيُّ حِبْرٍ تُرِيدْ
• سَيِّدِي لَمْ يَعُدْ سَيِّدِي
ويَدِي لَمْ تَعُدْ بِيَدِي
قَالَ:
أنتَ بعيدٌ كأَنَّكَ مَاءُ السَّمَاءْ
قُلْتُ:
إنِّي قرِيبٌ كأنِّيَ قَطْرُ النَّدَى
أَلْمَدَى والمَدَائِنُ
قَفْرٌ وفَقْرُ
والجَنَى “والجَنَائِنُ “
صِبْرٌ وصَبْرُ
وعَرُوسُ السَّفَائِنِ
لَيلٌ وبَحْرُ
ومِدَادُ الخَزَائِنِ
شَطْرٌ وسَطْرُ
قَالَ:
يَا أَيُّهَا النَّخْلُ
يَغْتَابُكَ الشَّجَرُ الهَزِيلْ
ويَذُمُّكَ الوتَدُ الذَّلِيلْ
وتَظَلُّ تَسْمُو فِي فَضَاءِ اللَّهِ
ذَا طَلْعٍ خُرَافِيٍّ
وذَا صَبْرٍ جَمِيلْ
قَالَ:
يَا أَيُّهَا النَّخْلُ
هَلْ تَرْثِي زَمَانَكَ
أَمْ مَكَانَكَ
أَمْ فُؤَاداً بَعْدَ مَاءِ الرُّقْيَتَينِ عَصَاكْ
حِينَ اسْتَبَدَّ بِكَ الهَوى
فَشَقَقْتَ بينَ القريتَينِ عَصَاكْ
وكَتَبْتَ نَافِرةَ الحروفِ ببَطْنِ مكَّةَ
والأَهِلَّةُ حولَ وجهِكَ مُسْتَهِلَّةُ
والقَصَائِدُ فِي يديكَ مصَائِدُ
واللَّيلُ بَحْرٌ لِلهَواجِسِ والنَّهَارُ
قَصِيدَةٌ لاَ تنتمِي إلاَّ لبَارِيهَا
وبَارِي النَّاي
يَا طَاعِناً فِي النَّأي
إسْلَمْ ،
إذَا عَثَرَتْ خُطَاكْ
واسْلَمْ ،
إذَا عَثَرَتْ عُيُونُ الكَاتِبِينَ عَلَى خَطَاكَ
ومَا خَطَاكْ ؟!
إنّي أحَدِّقُ فِي المَدِينَةِ كَي أَرَاكَ
فَلا أَرَاكْ
إلاَّ شَمِيماً مِنْ أَرَاكْ .
(2)
أَمْضِي إلَى المَعْنَى
وأَمْتَصُّ الرَّحِيقَ مِنَ الحَرِيقِ
فَأَرْتَوِي
وأَعِلُّ
مِنْ
مَاءِ
المَلاَمِ
وأَمُرُّ مَا بَينَ المَسَالِكِ والمَهَالِكِ
حَيثُ لاَ يَمٌّ يَلُمُّ شَتَاتَ أَشْرِعَتِي
ولاَ أفقٌ يَضُمُّ نثارَ أَجْنِحَتِي
ولاَ شَجَرٌ
يَلُوذُ
بِهِ
حَمَامِي
أَمْضِي إلَى المَعْنَى
وبينَ أَصَابِعِي تَتَشابَكُ الطُّرُقَاتُ
والأَوقَاتُ، يَنْفَضُّ السَّرَابُ عَنِ الشَّرَابِ
ويَرْتَمِي
ظِلِّي
أَمَامِي
أَفْتَضُّ أَبْكَارَ النُّجُومِ
وأَسْتَزِيدُ مِنَ الهُمُومِ
وأَنْتَشِي بِالخَوفِ حِينَ يَمُرُّ مِنْ
خَدَرِ
الورِيدِ
إلَى
العِظَامِ
وأَجُوبُ بَيدَاءَ الدُّجَى
حَتَّى تُبَاكِرَنِي صَبَاحَاتُ الحِجَا
أَرِقاً
وظَامِي
• إنِّي رَأَيتُ.. أَلَمْ تَرَ !؟
• عَينَايَ خَانَهُمَا الكَرَى
وسُهَيلُ أَلْقَى فِي يَمِينِ الشَّمْسِ
مُهْجَتَهُ وولَّى، والثُّريّا حَلَّ في
أَفْلاَكِهَا
بَدْرٌ
شَآمِي
يَا بَدْرَهَا
وهُدَى البَصِيرَةْ
يَا فَخْرَهَا
وهَوى السَّرِيرَةْ
يَا مُهْرَهَا
وحِمَى العَشِيرَةْ
يَا شَعْرَهَا
ومَدَى الضَّفِيرَةْ
***
فِي سَاحَةِ العَثَرَاتِ
مَا بَينَ الخَوارِجِ والبَوارِجِ
ضَجَّ بِي
صَبْرِي
وأَقْلَقَنِي
مُقَامِي
فَمَضَيتُ لِلْمَعْنَى
أُحَدِّقُ فِي أَسَارِيرِ الحَبِيبَةِ كَي أُسَمِّيَهَا
فَضَاقَتْ
عَنْ
سَجَايَاهَا
الأَسَامِي
أَلْفَيتُهَا وطَنِي
وبَهْجَةُ صَوتِهَا شَجَنِي
ومَجْدُ حُضُورِهَا الضَّافِي مُنَايَ
ورِيقُهَا
الصَّافِي
مُدَامِي
ونَظَرْتُ فِي عَينِ السَّمَا
فَخَبَتْ شَرَارَاتُ الظَّمَا
وانْشَقَّ
عَنْ
مَطَرٍ
غَمَامِي
لِلبَائِتِينَ عَلَى الطَّوى
والنَّاشِرِينَ لِمَا انْطَوى
والنَّاظِرِينَ
إلَى
الأَمَامِ
لِلنَّخْلِ لِلكُثْبَانِ لِلشِّيحِ الشَّمَالِيِّ
ولِلنَّفَحَاتِ مِن رِيحِ الصَّبَا
لِلطَّيرِ فِي خُضْرِ الرُّبَى
لِلشَّمْسِ
لِلجَبَلِ
الحِجَازِيِّ
ولِلبَحْرِ
التِّهَامِي
ما أجملها يا عبدالهادي منذ الكواليس الأولى وبعد أن سمعناها سوياً في قطفتها الأولى بصوتك والوتر فقط، وكاهن الحي يغنّي معنا… كانت شجيّة طفولية وجامحة لزمن جميل يعيش بسكينة وحب و يصبح فيه الإنسان إنساناً !
سلام لك يا عبدالهادي أنت فنان حقيقي ..
شكرا لك عبدالكريم ، والاخوان القائمين على الموقع ، فعلتم ما تمليه عليكم ضمائركم الصادقة .
أيها الشاعر الساحر؛ أنت الذي جعلت لهذا الشعر نغمًا ،
وللشعر روحًا مشعة ..!
هامتك فوق السحاب ..!
هناك لوحدك ..
يا رمز الإبداع …
ومنجب الإيقاع …
تَسْرِي الدِّمَاءُ مِنَ العُذُوقِ
إلَى العُرُوقْ
فَتَنْتَشِي لُغَةُ البُرُوقْ:
• أَيُّ بَحْرٍ تُجِيدْ
أَيُّ حِبْرٍ تُرِيدْ
• سَيِّدِي لَمْ يَعُدْ سَيِّدِي
ويَدِي لَمْ تَعُدْ بِيَدِي
—
: )
محمد الثبيتي بحق شاعر المملكة
يوم التقيتك بنظراتك السارحة ووجهك البشوش رغم الاسى وتعابير الحزن لازالت لك عينان تعبر عنك بكل شفافية
سحرتني كلمتك
وطريقة رسمك للمشهد الشعري
لم اتوقع ان يكون في شعاب مكة في يومنا هذا هكذا شاعر.
عجل الله بشفاءك وادامك الى عائلتك.
وتحياتي الى ابنك نزار صديقك الذي لايملك في رحلة المرض صاحب الوجه الباسم.
محمد جوني
أشكرك اخي محمد جوني على هذه الكلمات الرقيقة والرائعة المعبرة . لن انسى وقوفك معي وسؤالك المستمر للإطمئنان على والدي.
كما انني لا استغرب الوفاء منك فالشي من معدنه لا يستغرب.
نــــزار الثبيتي
كم تمنيت لو كانت “أمضي الى المعنى” قصيدة مستقلة
لأنها خسرت بسبب ارتباطها بموقف الرمال
ما أجمل هذه القصيدة، أبدع فيها في التنقل في التفعيلة والإيقاع بطريقة لا يتقنها الا مبدع
رحمك الله ما اجمل شعرك
ابداع لشاعر مبدع…رحمه الله رحمة واسعه
لِلبَائِتِينَ عَلَى الطَّوى
والنَّاشِرِينَ لِمَا انْطَوى
والنَّاظِرِينَ
إلَى
الأَمَامِ
لِلنَّخْلِ لِلكُثْبَانِ لِلشِّيحِ الشَّمَالِيِّ
ولِلنَّفَحَاتِ مِن رِيحِ الصَّبَا
لِلطَّيرِ فِي خُضْرِ الرُّبَى
وللجمال أرض لا صوت لها سواك يدعوني ..
كعادتي آتي متاخرا …
يأيها النخل : هل ترثي زمانك ام مكانك ؟ كم عشت معها كم آلمتني وكم ابهجتني وكم أبهرتني …
تئن الذاكرة وتتلعثم الكلمات وتهطل غيوم ليست كالمطر .. انها ركام من شجن يأسف لكل لحظات تسربت من بين الاصابع ولم يدركك يوما ليبتسم فقط .
نبوغ غير مسبوق وكثافة ساحرة وعمق سحيق برحم المعاني والكلمات فلكأنه حرفي عتيق ورث حياكة المعاني ليهبها ألوانا قزحية جديدة لا حيلة لمن يراها الا الأسر والتحديق وربما يشهج ببكاء ليس كالبكاء ..
رحمك الله واسكنك فسيح جناته يا سيد البيد