ينعدم ( الشعر ) بانعدام ( المرأة ) .. الشاعر الكبير محمد الثبيتي لـ ” فواصل ” :
- ما زلت قادراً على إرضاء الطِفل الذي كُنت !!
- أبهجني ” تهريبي ” من النادي الأدبي !!
- القرآن من أهم القراءات المؤسِّسة للغتي الشعرية !!
- نادي جدة الأدبي قصّر معي !!
- عوض القرني : كلام جرايد !!
- دواويني اختفت بفعل فاعل !!
- كثيراً ما أُقاوِم إغراء الكتابة !!
حـوار : ماجد إبراهيم
محمّد الثبيتي .. انطق الاسم و ستسمع تصفيقاً حادّاً و عبارات إعجاب مدهشة ! أصِخ السمع قليلاً و التفت إلى المكان الأجمل في روحك .. ستِجد أن الذي يُصفِّق هُو الشعر ! و الذي يقول عبارات الإعجاب المدهشة هو أيضاً الشعر ! ، محمد الثبيتي .. انطق الاسم و سترى كُلّ ذرّةٍ من رِمالِ الجزيرة تقِف لتلقي التحيّة على كُلِّ حرفٍ كُتِبَ في شعره ! ، محمد الثبيتي .. انطق الاسم و ستلمس العذوبةَ في كُلِّ ذرّاتِ الهواء المُحيطة بِك ! ، محمد الثبيتي .. انطق الاسم و ستشمّ رائحة الهيل وعِطر نخلةٍ فاح بعد أن أمطرت عليها سحابةٌ من النور شعراً لا يتوقّف انهِمارهُ إلى أن يصل بك النُقطة الأعمق في روحك ! ، محمد الثبيتي .. انطق الاسم و إن لم تشعر بشيء .. تأكد بأنَّ ( الشعر ) – في أحسن الحالات – لم يمنحك من الرضا إلا القليل !
ليس الحوار معه إلا مُغامَرةً مِلؤها دهشةٌ كـالشعر ، و ابتسامةٌ كـالشعر ، و موسيقى كـالشعر ، و شِعرٌ كـ محمد الثبيتي ! ، مُغامِرةٌ أعترف بأنّي لم أمتلك الجُرأة الكافية لخوضها وحيداً لذا استعنتُ بصديقي عبد الرحمن الخضر الذي منحني بعض مقطوعاتٍ موسيقية بعضها مستوحى من شِعر الثبيتي نفسه و بعضها الآخر من لُغته الفارهة كـ شِعْرٍ لم يُكتب بعد ! ، مقطوعاتٍ موسيقية بحروفِ صديقي منحتني الإحساسَ بالأمان و الفرصة الجميلة في الاستماعِ إلى شاعِرنا الكبير يُغنّي لنا وحدنا ! ، أنا و أنتم فقط ! لنا وحدنا يُغنّي .. على طريقته يُغنّي !
سنبدأ من أمسيتك الأخيرة بنادي جدة الأدبي على هامش معرض الكتاب الدولي ، هل شعرت يومها بأن حضورها القليل يكفي لزرع ابتسامة على شفتي تاريخك الشعري ؟!
– الحضور لم يكن قليلاً بالنسبة لأمسيات أتذكرها و أحييتها ! ، الحضور كان جميلاً و لأوّل مرة أجِد كُل الحضور قد أتوا لسماع الشعر فقط ! ، أيضاً هُناك مُفارقة أسعدتني كثيراً ! ، يا أخي كان المُلتحين في السابق يحضرون أمسياتنا للتخريب و الصراخ و غيره ! ، لكن لعلَّك لاحظت في الأمسية الأخيرة المُلتحي الذي كان يجلس خلفك تماماً ! ، كان يُردِّد معي قصائدي بل و أتاني بعد الأمسية مُعاتِباً لي على خطئي في إلقاء بعض القصائد ! ، إجمالاً أنا فَرِح بتلك الليلة ! ، و يمتد فرحي ليشمل ما رأيته في معرض الكتاب من عرْض لكُتُب كانت من المُحرَّمات حتى وقت قريب !
لم تكُن في كامل حضورك بالأمسية يومها ! ، ما السبب ؟!
– صحيح ، أنا كُنت في أسوأ حالاتي تلك الليلة و لَم أُعِدّ لها جيداً ! ، سهرتُ كثيراً الليلة التي قبلها و يوم الأمسية لم أنتهِ من زيارتي للمعرض إلا مُتأخراً و لو لاحظت بأن كُلَّ النصوص التي ألقيتها كانت قديمة و كان الجميع يردِّدها معي باستثناء نص جديد لم يُنشر من قبل !
هُناك من قال يومها بأن الثبيتي لم يعد لديه جديد ! ، ما ردك ؟!
– بل لديَّ عِدَّة نصوص جديدة لم تُنشر و منها نص ” بوّابة الريح ” الذي ألقيته في الأمسية و نُشِر لأول مرة في فواصل
تقول بأن الحضور جميل و أقول بأنَّه قليل ! ، لأتساءل بِحُزن .. متى يأتي ذلِك المساء الذي تمتلئ فيه قاعة ما بألفٍ من البشر – على الأقل – لتغتسل أرواحهم بشعر الثبيتي ؟!
– هذا ما لا تسألني عنه ! ، بل تسأل عنه المسئولين عن الثقافة في البلاد ! ، يعني أُمسية لم يُعْلن عنها جيِّداً كيف تتوقع أن يكون حضورها كبيراً ؟!
لكن النادي الأدبي أعلن في كُل الجرائد قبل الأمسية و في معرض الكتاب أيضاً ! ، هل تجِد مع ذلك أن النادي كان مُقصِّراً في الإعلان ؟!
– طبعاً ! ، في عكاظ أعلنوا قبل الأمسية بخمسة أو ستة أيام و في يوم الأمسية إعلان صغير في صفحة داخلية لا يكاد يُرى ! ، هذا تقصير ! ، عن نفسي لم أُشاهِد إعلاناً يوازي أهمَّية أمسية يحييها الصيخان و الثبيتي ! ، رُبَّما كان الإعلان في جريدة المدينة يوم الأمسية هو ما يليق بعض الشيء !
قبل أن نُغادِر النادي الأدبي و أمسياته ، قبل عشرين عاماً كانت هُناك أمسية تكريمية لتسليمك جائزة الإبداع على ديوانك الثالث ( تضاريس ) مع محاضرة تُقدِّم دراسة عن الديوان في مَقرّ النادي ! ، لكن الذي حدث أنَّ المُحاضرة تحوَّلت ليلتها إلى دراسة عن الشعر الجاهلي و التكريم أُلغي و أنت هُرِّبت من الباب الخلفي ! ، سؤالي : ما الشعور الذي انتابك يومها ؟!
– أذكُر يومها بأنَّني دخلت مع عبدالله باخشوين وعبدالله الصيخان إلى مقرّ النادي الذي كان يعج بمجموعة كبيرة من المُلتحين الذين أتوا بعد أن كُنتُ موضوعاً ساخِناً لمنابر خُطب الجمعة و بعض الأعمدة الصحافية السخيفة فور إعلان النادي عن فوزي بالجائزة ! ، تسألني عن شعوري ! ، و رُبَّما تستغرب لو قلت بأنّني يومها كُنتُ مُبتهِجاً ! ، لا أعلم حقاً هل هي لا مبالاة مِنّي أو ماذا بالضبط ! ، لكنَّني فِعلاً كُنت مُبتهِجاً .. يمكن أعجبتني جِدًّا حكاية التهريب و شعوري بأنِّي رجُل مُهِم ” يضحك ” !
هُنا مساحة للغناء و مقطوعة موسيقية بحروف صديقي عبدالرحمن الخضر : احلم في الحلم أنَّك تحلم ! ، و نادِ الطفل الذي كُنت و اسأله : هل كبُرتَ كما كبُرت ؟! ، سيِّدي : في غيبوبة اللحظةِ الآن .. هل حقَّقت أحلام الطفل ( الذي رأى فلك التيه ) ؟! ، أم خذلته أحلام القصائد؟!
– لا و الله لم تخذلني ! ، أنا بصراحة و بصدق أحس أني رغم تقصيري بأنّني حققتُ شيئاً على الأقل مُرضٍ للطفل الذي كُنت ! ، بل و أشعر أنني ما زِلتُ قادراً على إرضائه !
لو عُدنا إلى ما قبل أكثر من أربعة عقود إلى ذاتِ الطِفل الذي كُنت حيث كانت بداياتك مع القراءة ، ما القراءات التي كانت بمثابة حجر الأساس لِـ لُغة شعرية مُتفرّدة ميّزت شعرك عن سِواه ؟!
– بكل تأكيد كانت قراءاتي لكثير من كُتب التراث على رأسها و أهمّها القرآن الكريم هي الأهم في مرحلة التأسيس لـ لغتي الشعرية !
عانيتُ كثيراً حتى حصلت على نسخة من ديوان التضاريس و لم أُفْلِح في الحصول على الديوانين الأولين ( عاشقة الزمن الوردي ، تهجَّيتُ حُلْماً تهجَّيتُ وهْماً ) ! ، ماذا يفعل من يرغب بِشدَّة للتعرف على تجربتك ؟! ، و لِماذا هذا الإهمال في إصداراتك ؟!
– جميل أنَّك سألتني هذا السؤال ! ، في الديوان الأوَّل و بعد أن عَطَّل إصداره إبراهيم فودة رئيس نادي مكَّة آنذاك لأكثر من سنة حملت مسودَّته و اتجهت إلى الدار السعودية للنشر في جده لِيُطبع و يُنشر بشكل راقي جِدًّا و كذلك حصل مع الديوان الثاني حتى وصلت الكمية المطبوعة من الديوانين 8 آلاف نسخة لكل ديوان على طبعتين ! ، الذي حَدَث أن الدار بعد ذلك بيعت و استلم إداراتها كاتب أصولي أو وصولي إن شئت “يضحك ” ، من بعدها اختفت دواويني ! ، بل و حتى بعض حقوقي لم استلم مِنها شيء ! ،الأمر الذي يجعلني الآن في حلٍّ من العقد الذي يتضمن شرطاً يمنعني من طباعة الدواوين من دون إذن الدار ! ، و أنا أُفكِّر اليوم في إصدار المجموعة الكاملة للدواوين الأربعة
في ديوان ” تضاريس ” يكثر حِسّ الانتظار لشيء ما ! ، لولادة مُعيَّنة .. ما الذي كُنتَ تنتظره ؟!
– الشاعر ينتظر دائماً ، وإذا تحقق ما ينتظره بحث عن شيءٍ آخر ينتظره ! ، إذا توقف الشاعِر عن الانتظار توقَّف عن الشِعر !
هل خذلت الصحافة السعودية محمد الثبيتي ؟!
– لا ، بالرغم من تقصيري في التواصل مع الصحافة حتى أنَّني نشرت أول دواويني قبل أن أنشر أيّ نص !
مساحة أُخرى للغناء و مقطوعة موسيقية جديدة بحروف صديقي عبد الرحمن الخضر وحروفك : ” سيِّدي (( أيا مورِقاً بالصبايا .. و يا مُترعاً بلهيب المواويل )) ، هل تنسبل ضلعك عشقا ؟! أم ألقمت النار ضلوعك ؟! “
– كلما أوغلتُ في صدرِ المدى
طفقت يُمناي تهمي بالندى
أنثر الطلع على عُري الثرى
و أُحيل الرمل فجراً أمردا !
مزيداً من الغناء و جُملة موسيقية أخرى أيضاً يعزِفُها صديقي : ” سيدي : روحك المحاصرة بالإسمنت ! ، كيف لها أن تُغنِّي للقرى و البيد ؟!”
– صاحبي لا تملّ الغناء
فما دمت تنهلُ صفو الينابيعِ
شقّ بنعليك ماء البرك !
(( كم من يدٍ صبَّت على آثارِهِ لحناً رمادياً ؟! )) ، هل من أيادٍ صبَّت على آثارِك / أشعارك لحناً من الرماد ؟!
– لا ! ، كُل ما صُبَّ على أشعاري هي ألحانُ من النور ! ، لِنقل أنَّه لا يستطيع أحد أن يفعل غير ذلك ! ، أُدلِّل على هذه الألحان بالدراسات و القراءات التي قُدِّمت عن شعري من أُناس لا أعرفهم شخصياً بل و لا أعرف كيف وصل إليهم شعري ! ، مثل الدكتور عبدالعزيز المقالح من اليمن ، خالد الكركي من الأردن ، الدكتور مصطفى ناصف من مصر ، الدكتور فايز الدايه من سوريا و مثل ما كتبه صديقك الملعون عبدالرحمن الخضر هُنا في فواصل !
وماذا عما كتبه الدكتور عوض القرني في كتابه ( ميزان الحداثة في الإسلام ) ؟!
– يمكن وقتها كُنتُ أظنُّ بأنَّه كتب شيئاً مُهِمًّا ! لكنني قرأت الكتاب مرة أخرى مؤخراً و استغربت حقاً حين وجدتُ أنَّه لم يكتُب شيئاً ! ، كُلّه كلام جرايد و الرجل ما عنده شيء أصلاً ليكتب ! ، الرجل يا حبيبي وجد في الحداثة و الحداثيين موضوعاً يُعطيه شيئاً من الحياة و الشُهرة لا أكثر ! ، و من يقرأ تعقيباً له على حوارٍ أُجري معي في جريدة البلاد قبل سنوات يتأكد أن لسان حاله يقول : ” تبطِّلون حداثة يعني أنا أموت … !! ” ” يضحك ”
بعد مرحلة الصِراع تلك و التي كادت أن تكون داميةً في تلك الفترة ، كيف ترى مُستقبل الحداثة من خلال شعراء الجيل الشاب في الفُصحى أو العامّية ؟!
-لا أُخفيك بأنَّ الواحد منا وصل إلى الإحباط تماماً بعد كل ما حصل له في تلك الفترة لدرجة أن ظَنَّ بأنّه لا شِعْرَ يُكْتَب و لا حداثة ! ، لكن مؤخراً و في السنتين الأخيرة قابلت العديد من الشعراء الشباب و المواهب الشعرية الجميلة التي أشعرتني بالتفاؤل بل و جعلتني أُراجِع حساباتي تماماً في نظرتي المتشائمة !
ما آخر الأسماء الشابة التي أضافت نفسها إلى ذائقتك ؟!
-أسماء عِدةّ و الله و أخشى أن أُعدِّد و أنسى أحداً لكن آخر ما وقع بين يديّ مخطوطة الديوان الأوّل لشاعر جميل جِدًّا اسمه عبد الله ناجي
لحظة كتابة النص .. مشتغل .. غاضب .. خارج للتو إلى الحياة .. أم ماذا ؟!
– كُل هذهِ الحالات و أكثر ..
ماذا عن الحالة التي تعجز عن الكتابة فيها أو تتحاشى الحرف عندما تٌصيبك ؟!
– إجمالاً .. لا أكتُب تحت تأثير أي حالة ! ، أترك الكِتابة فيما بعد لأستحضر ما يليق بنصِّي من الحالة !
هل تقاوم إغراء الكتابة ؟!
– كثيراً ! ، بحثاً عن الأفضل و طمعاً في مستوى فني أرقى من سابقه
مَن (( يُقاسِمُك الشِعْرَ و الصعلكة ؟! من يُقاسِمُكَ نشوةَ التهلكة ؟! )) ؟!
– ما زلتُ أسأل والله !
ما الذي ينعدِمُ بِانعدامِهِ الشِعْر ؟!
– المرأة !
ماذا ترى عندما تنظر إلى الأمام و أنت على حافّة قصيدة ؟!
– أرى الجمال و الحب !
هل استطعت أن توقظ أنشودة الروح في غابة الخيزران الأنيقة ؟!
– نعم استطعت !
وماذا تقول لغابة الخيزران الأنيقة ؟!
– كفى ! ” يبتسم ”
من يُطرِب روحك من شُعراء العامّية ؟!
– لا شك بأنّ هُناك أصوات في الشعر العامّي تمنحك كثيراً من الطرب ، يُطربني منهم بكُل تأكيد خالد الفيصل والبدر أيضاً فهد عافت ، الحميدي الثقفي ، مساعد الرشيدي ، نايف صقر ، خالد قمّاش ، طلال حمزة ، مهدي بن سعيد ، سليمان المانع
سنختم بالغناء مُجدَّداً على عزفِ صديقي و حروفك ، (( حين تنطفِئُ امرأةٌ في السراب .. أمتطي صهوة الرمل )) ، سيّدي .. إلى أين ؟!
-إلى حدائق النور و الحب و السلام !
و (( حين تنطفِئُ امرأةٌ فوق كفِّي .. أرفعها للقمر )) ! ، سيّدي .. و أنت من يرفعك ؟!
-هِي !
نوفمبر 2006
0 تعليق