محمد الثبيتي العابر للحدود

5 مايو، 2010 | مقالات | 0 تعليقات

سكينة المشيخصاتفق عدد من الشعراء على فرادة تجربة محمد الثبيتي الشعرية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، مؤكدين انها استطاعت عبر الحدود في وقت كان المثقف السعودي يدور في حلقة المحلية. وأوضح الشعراء ان الثبيتي الشاعر الحداثي وأحد رواد قصيدة التفعيلة بالمملكة يعد صورة هامة في المشهد الشعري السعودي المعاصر، وهو الذي بقى متألقا في وجدان الشعر والشعراء، وبقت تجربته الشعرية المبدعة مضيئة وإن ثار حولها الجدل واختلف الناس جراءها واختصموا. ودعا الشعراء ان يمن الله سبحانه على الثبيتي، الذي تعرض مؤخراً لجطة قلبية، بالصحة والعافية.
المارد الملهم

يقول الشاعر محمد الفوز، الذي يصف الثبيتي بـ »المارد»: لا أدري كلما قرأت محمد الثبيتي أو تذكرته في نص ما، أو استحضرته بمكان أتخيله كالمارد.. ثمة مزاج متقلب يبعثر تجربة الثبيتي، هو جاد في حضوره وفي نصوصه، كلما اقتربت من عمقه تجرحك التآويل، وكلما ابتعدت عن أبجديته تسلبك اللغة المنسابة بخيلاء لتقرأ «عاشقة الزمن الوردي» و»إيقاعات على زمن العشق» و»التضاريس». ويضيف: يقول ذات جرح: «حسناً أيها الفارس البدوي هل تجرعت حزن الغداة وصبر العشي/ أرى وجهك اليوم خارطة للبكاء وعينيك تجري دماً أعجمي».
ويتابع الفوز: «منذ الثمانينيات وهو صاخب الصوت والصدى إما عبر كتاباته أو من خلال العابرين في ظلاله المتمردة، من يتفيأ خيمة الثبيتي سوف يتهيب عنفوان البداوة في لغته وصهيل الحداثة في روحه.. أتصفح تضاريسه من حين لآخر، ومهما أردت اختلافا معه في بعض الأيدلوجيات والأفكار التي تسيج ذاكرة النص إلا أنني أقرأه بروح نفاذة، ولا أدعي التماس معه تماما.. هو يعجبني ككل، يسلبني ككل، لكن بعض نصوصه أجدها شاذة عن سياق فحولته، بعض النصوص أشبه بالحشو لا سيما نصوصه الأخيرة، هو في الثمانينات مارد ملهم، في كل نص أراه مأخوذا بطقوس مغايرة، الصحراء والجبل و الفراديس المتخيلة.. كل هذه المفردات تتشكل في منظومة نصوص الثبيتي لتبدو لعبة الدهاء بين متذوق متورط بهوس الشعر، و بين ناقد يمشي بسياط الحيرة، محمد الثبيتي مارد شعري قادم من وادي عبقر إلينا، جاء لينبش ثغر الورد ويلتهم نفائس الرغبة في جسد الكلام، بتجلياته تشعر بصوفية غريبة و بلؤم ذكي في تناول المعنى.. هو شاعر مخيف لكنه جميل بحسب تعبير بودليير.
سحر الثبيتي
الشاعر محمد خضر يقف متأملا في الشاعر والتجربة، ويقول: شكل الثبيتي منذ قصائده الأولى أثرا كبيرا على جيل كامل من الشعراء حتى بدا ذلك التأثير جليا واضحا، إذ أنه شاعر ورطة إذا جاز التعبير.. لغته التي تحمل مزيجا ووعيا بالجديد والشكل التفعيلي، الذي يكتبه دون أن يقع فيما يقع فيه كثير من شعراء ذلك النص من تكلف ومكرور سائد.
ويضيف: أقول هل الثبيتي متجاوز في قصيدة التفعيلة شعراءنا اليوم؟.. يبدو هذا واضحا من خلال الكم الهائل من الثبيتي في قصائد الآخرين.
ويعتبر خضر ان أهمية شاعر دائما وحيويا لأنه لا يزال ذلك الذي تحفظ قصائده وتردد معه من الجمهور في أمسياته، وهو ما اسميه «سحر الثبيتي ولذة اكتشافه»، موضحاً ان قصائد مثل «تعارف» و»سيد البيد» حققت لدى المتلقي العادي مثلا تلك المعادلة بين الحداثة وجمال النص ولغته الجزلة.
ويقول: لعل الثبيتي من أوائل من كتبوا النص الحديث ليس زمنيا فقط، بل وبذلك الوعي العميق بقصيدة زمنه وتحولاتها.
سيد البيد والقصيدة
الشاعر إبراهيم زولي يتجه عميقا وهو يغوص في أحشاء التجربة والشاعر الرمز حينما يقول: لعل الثبيتي يمثل حالة استثنائية في المشهد الشعري السعودي، إن لم نقل في الجزيرة العربية في الربع الأخير من القرن العشرين. ولعل صاحب «التضاريس» كان صوتا مغايرا، واستطاع بحرفة شعرية أن يوائم بين النخبوية الجماهيرية في مزج إبداعي لم يتوفر إلا لقامات نادرة يتقدمهم درويش. ويضيف زولي: لم تكن تجربة محمد الثبيتي غريبة الوجه واليد واللسان كلا، ولم تكن نبتا شيطانيا بل جاءت تناميا للمراحل السابقة على التضاريس بدءا بعاشقة الزمن الوردي مرورا بتهجيت حلما تهجيت وهما «أتيت أركض والصحراء تتبعني/ وأحرف الرمل تجري بين خطواتي»، مشيرا إلى ان الثبيتي كان ينزع من البدء لخلق معجم شعري خاص به وهو معجم الصحراء متكئا على مفردة تراثية.
ويوضح ان المزج بين اللغة المعجمية في سياقات حديثة مع تنوع الإيقاع العروضي من المتدارك «مسه الضر هذا البعيد القريب/ المسجى بأجنحة الطير/ والنمل يأكل أجفانه/ والذباب»، والمتقارب «أدر مهجة الصبح/ صب لنا وطنا/ »، والطويل «ألا قمرا يحمرُ في غرة الدجى..»، والكامل كما في الأوقات «فإذا المدينة شارع قفر..»، والرمل «مدنا في ساعديك/ واحفظ العمر لديك».
وينتهي زولي إلى استخلاص أنيق، بقوله: إذن لم تكن فرادة الثبيتي قادمة من فراغ إنه يتمثل التراث العربي والإنساني «واطو أحلام السليك» و»وجه ذو القرنين عاد مشربا بالملح والقطران» يتمثله إن على المستوى الإيقاعي أو اللغوي وحتى الأسطوري، كل ذلك مهد له خوض التجربة الجديدة بأقدام راسخة لذلك جاءت تجربة التضاريس مختلفة لغة ورؤيا حيث احتفى بها النقاد بصورة قل نظيرها.. كان نموذجا للكثير من تنظيرات ودراسات النقاد آنذاك، الأمر الذي جعل الكثير من شعراء الثمانينات والتسعينات تتلقف هذا النموذج. معتبرا ان النقاد ساهموا في ذلك كثيرا، حيث ان منجز الثبيتي الشعري كان في متناول الجميع.. حاضرا في جميع المكتبات في الوقت الذي كان الآخرون لم يصدروا ديوانا واحدا أو أنهم أصدروا ولكن خارج الحدود.
ويضيف زولي: هذه الملامح وغيرها هيأت لتجربة الثبيتي امتداد ظلالها على كثير من نصوص شعراء المرحلة، بعدها توقف الثبيتي إلا من نصوص قليلة نتيجة كثير من المتغيرات التي أصابت التجربة عموما بانكسارات واحباطات متوالية ليعود بموقف الرمال وحضور منبري بهيج، لعل آخره تألقه في فعاليات الأيام الثقافية السعودية في صنعاء متزامنا مع استعادة المشهد الثقافي كثيرا من عافيته، ونحن إذ نرفع أكفنا للسماء أن يتجاوز «سيد البيد واللغة» هذه المحنة فإنما هو دعاء للقصيدة التي أعلنت أنها الأبقى وما سواها فروع.
المسكون في القصيدة
من جانبه يقول الشاعر والباحث أحمد قران الزهراني عن تجربة الثبيتي المتجذرة في القصيدة الحديثة: شكل الثبيتي نقطة تحول في التجربة الشعرية الحديثة بالمملكة، كما مثل ديوانه الشعري «التضاريس» مدرسة شعرية تأثر بها عدد كبير من الشعراء المحدثين، هذا الشاعر المسكون في القصيدة والمغموس في تضاريسها، هذا الصوت الشعري الذي يتميز بالتفرد ويجمع بين سلاسة اللغة وعمق الصورة الشعرية وأصالة الكلمة وبعد الرؤية، وهي مكونات لا تجتمع إلا في تجربة الثبيتي.
ويضيف: حين تأتي التجربة الشعرية السعودية كمحور للحديث مع الشعراء العرب تكون تجربة الثبيتي محور ارتكاز الحديث، لأنها استطاعت أن تعبر الحدود في وقت كان المثقف السعودي يدور في حلقة المحلية، ولهذا فان تجربة الثبيتي كانت أفضل من يمثل الصوت الشعري السعودي خارج الوطن.
ويستطرد الزهراني في التماس مكنون الثبيتي قائلا: ما يميز الثبيتي كشاعر أنه لم يمارس سلطة المصادرة للأصوات الشعرية الأخرى، ولهذا ظل في وجدان الشعراء من جميع الأجيال، واتفق النقاد والشعراء على شاعريته، كما اتفق على تميزه الحضور الكثيف الذي تتسم به الأمسيات الشعرية التي يكون مشاركا فيها. مضيفا ان تجربة الثبيتي الشعرية استطاعت أن تثبت وأن تواصل نموها وحضورها رغم ما أحاط بها من اشكالات وتجاذبات، ولولا أنها تجربة ناضجة وعميقة لما استطاعت أن تثبت وأن تستمر في العطاء الخلاق.
واختتم الزهراني حديثه بالقول: في الوسط الشعري، نمر بحالة من الحزن والخوف على هذه القامة الشعرية، التي ندعو الله أن يتولاها برحمته، بحيث يعود هذا الشاعر المبدع إلى الساحة الشعرية التي تحتاج إلى نبضه وعطائه الإبداعي الفريد.
يذكر ان الشاعر محمد الثبيتي يعد من الذين لهم اسهامات ومشاركات في مهرجانات وملتقيات ثقافية على المستوى العربي والمحلي منذ بداية الثمانينات الميلادية، وهو من أبرز الشعراء الذين أحدثوا تحولا جذريا في الخطاب الشعري الحديث من خلال ديوانه الشهير «التضاريس» وديوانه الأخير «موقف الرمال والجناس».

سكينة المشيخص – الدمام

المصدر : صحيفة اليوم

مقالات مشابهة

حاتمية الطائف أبقت منسأة الثبيتي صامدة !

حاتمية الطائف أبقت منسأة الثبيتي صامدة !

للعام الثالث تنسج طائف الورد فنارات التبديع وشارات الفردانية بترسيخ خرائط تضاريس هذا الهرم الثبيتي المعقود في ناصيته خامة الاستثناء على رمال ذاكرة شاعر معجون بقصيدة التفعيلة, بل هو من جدل ظفائر أقنومتها وامتخر عباب أثباجها في الثمانينات في القرن الماضي, حتى تعرش...

«سيد البيد» هتف عالياًلـ «وضاح»: شق بنعليك ماء البرك

«سيد البيد» هتف عالياًلـ «وضاح»: شق بنعليك ماء البرك

يتهجّى الحلم كطفلٍ يفتح عينيه على عالم عريض، فتح (سيد البيد) محمد الثبيتي حواسه اليقظة ليبصر من حوله صحراء عريضة وأشجارا منوعة ومياه الحياة تحيط بالرمال.. أطل وجهه ذات صباحٍ في بلاد بني سعد (جنوبي مدينة الطائف)، حيث تبرعمت ونمت أسماله الصغيرة وراحت تحدق في الأشياء...

عندما يحكي الثبيتي ولعنة التفرد

عندما يحكي الثبيتي ولعنة التفرد

يقول الصينيون عن الشخص الذي يتوفى في خضم أحداث عظيمة فلا يلفت موته أحدا بأنه "مات يوم القيامة"، ويفسرون بهذا مرور ميتته الصامتة مرور الكرام. ولكن ذلك لم يحدث على هذا النحو لمحمد الثبيتي، الشاعر الذي ولد وعاش وهو مقيم تحت سقف العاصفة. "عندما يحكي الثبيتي" كتاب صادر...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *