ماذا عساني أن أكتب في لحظة الفاجعة ، إن الإنسان تتعطل رؤيته ورؤاه عندما يجد نفسه محاطا بالإعصار ، كيف لا ونحن نودع في غضون شهور قليلة رمزين كبيرين من رموز الشعر في بلادنا .. رحل الشاعر والروائي غازي القصيبي عن سمائنا مخلفا وراءه فراغا يصعب ملؤه ، وها هو يتبعه سيد البيد ، نافذا عبر بوابة الريح إلى أقصى الغياب ، إنه يرحل عن عالمنا اليوم ،
لكنه سيظل أغنية في حلوق المصابيح ، وهوى في قلوب عشاقه لا يموت ، كما هو ألفه وصاحبه.
لقد شغل فقيدنا الشاعر الكبير محمد الثبيتي حيزا واسعا على خارطة إبداعنا الشعري منذ أن أصدر ديوانه الأول ” عاشقة الزمن الوردي ” وما زال يترقى عبر تضاريس الشعر مجتازا إلى أفق الجناس حيث الشعر الخالص وحيث متعة الجمال التي لا تنفد ، قال ذات يوم : ” منذ مدة طويلة وأنا أورط نفسي في اقتحام مجاهل الشعر ، وذرع متاهاته المسحورة .. أحاول هز أفنائه اللدنة لتمطر لي الورد والفراشات والسوسن والأصداف ، وتمنحني الإكسير المتوهج الذي يهب الحب والحياة “.
وقلت ذات يوم : ” تتعدد في التجربة الثبيتية نماذج الخلاص ، ممهورة بالدعوة إلى الغناء ، والصهيل ، والاشتعال ، وموعودة بالرحابة ، والحرية ، والتحول ، والملاحظ تصدُّر النماذج الثبيتية بفعل الأمر ، وكأن الخلاص حق ينتزع انتزاعا في واقع طالما احتقن بالصمت ، والسكون والظلام ، من ذلك ما جاء في نص ” وضاح ” و ” المغني ” و ” الفرس ” و ” هوازن .. فاتحة القلب ” و ” اختر هواك ” يقول في نص ” المغني “:
ابتكر للدماء صهيلا
تدثر بخاتمة الكلمات
إلى أن يقول :
ابتكر للطفولة عرسا تعلق فيه التمائم
واللعب الورقية .. والأغنيات
والملاحظ تعويل الرؤية الثبيتية على الجميل مخلصا ، فالملاذ إنما هو الغناء ، وأن يُبتكر للدماء صهيل ، وللطفولة فاكهة ، وأعراس … ” وأخيرا أقول لفقيدنا الذي مازلنا نمخر معه صباح الشعر ، ومازالت تتنفس بضوئه الأبجدية:
اخْتَرْ هَواكَ على هواكَ عَسَاكَ
أَنْ تلقَى هُنَاكَ إلَى الطريقِ طرِيقا
أرأيتَ إذْ تَمْتَدُّ أعناق الرِّفاقِ
إلى المحاقِ
يلوحُ في أقصى الظّلامِ
يرونهُ برقاً… وأنتَ ترى بَرِيقا.
جبريل السبعي
————————-
المصدر: الرياض
0 تعليق