الثبيتي.. شاعر تتنفس بضوئه الأبجدية

25 يناير، 2011 | في تأبين سيد البيد | 0 تعليقات

ماذا عساني أن أكتب في لحظة الفاجعة ، إن الإنسان تتعطل رؤيته ورؤاه عندما يجد نفسه محاطا بالإعصار ، كيف لا ونحن نودع في غضون شهور قليلة رمزين كبيرين من رموز الشعر في بلادنا .. رحل الشاعر والروائي غازي القصيبي عن سمائنا مخلفا وراءه فراغا يصعب ملؤه ، وها هو يتبعه سيد البيد ، نافذا عبر بوابة الريح إلى أقصى الغياب ، إنه يرحل عن عالمنا اليوم ،
لكنه سيظل أغنية في حلوق المصابيح ، وهوى في قلوب عشاقه لا يموت ، كما هو ألفه وصاحبه.
لقد شغل فقيدنا الشاعر الكبير محمد الثبيتي حيزا واسعا على خارطة إبداعنا الشعري منذ أن أصدر ديوانه الأول ” عاشقة الزمن الوردي ” وما زال يترقى عبر تضاريس الشعر مجتازا إلى أفق الجناس حيث الشعر الخالص وحيث متعة الجمال التي لا تنفد ، قال ذات يوم : ” منذ مدة طويلة وأنا أورط نفسي في اقتحام مجاهل الشعر ، وذرع متاهاته المسحورة .. أحاول هز أفنائه اللدنة لتمطر لي الورد والفراشات والسوسن والأصداف ، وتمنحني الإكسير المتوهج الذي يهب الحب والحياة “.

وقلت ذات يوم : ” تتعدد في التجربة الثبيتية نماذج الخلاص ، ممهورة بالدعوة إلى الغناء ، والصهيل ، والاشتعال ، وموعودة بالرحابة ، والحرية ، والتحول ، والملاحظ تصدُّر النماذج الثبيتية بفعل الأمر ، وكأن الخلاص حق ينتزع انتزاعا في واقع طالما احتقن بالصمت ، والسكون والظلام ، من ذلك ما جاء في نص ” وضاح ” و ” المغني ” و ” الفرس ” و ” هوازن .. فاتحة القلب ” و ” اختر هواك ” يقول في نص ” المغني “:

ابتكر للدماء صهيلا
تدثر بخاتمة الكلمات

إلى أن يقول :

ابتكر للطفولة عرسا تعلق فيه التمائم
واللعب الورقية .. والأغنيات

والملاحظ تعويل الرؤية الثبيتية على الجميل مخلصا ، فالملاذ إنما هو الغناء ، وأن يُبتكر للدماء صهيل ، وللطفولة فاكهة ، وأعراس … ” وأخيرا أقول لفقيدنا الذي مازلنا نمخر معه صباح الشعر ، ومازالت تتنفس بضوئه الأبجدية:

اخْتَرْ هَواكَ على هواكَ عَسَاكَ
أَنْ تلقَى هُنَاكَ إلَى الطريقِ طرِيقا
أرأيتَ إذْ تَمْتَدُّ أعناق الرِّفاقِ
إلى المحاقِ
يلوحُ في أقصى الظّلامِ
يرونهُ برقاً… وأنتَ ترى بَرِيقا.

جبريل السبعي

————————-

المصدر: الرياض

مقالات مشابهة

رحل الثبيتي تاركاً حياة ممتدة من كلمات

رحل الثبيتي تاركاً حياة ممتدة من كلمات

الشاعر لا يتركنا ويمضي بسلام، بل يجرعنا الغصص وهو يبتعد تاركاً بين أيدينا كما هائلا من التذكارات، حروفاً وكلمات، مشاعر وتعاويذ، قادرة ربما على صياغتنا وما حولنا من حياة، إن نحن أجدنا الاستماع إلى ما نفث من تأملات.الشاعر عبدالله ثابت قال عن رحيل محمد الثبيتي: آلمني...

لحظة موت شاعر

لحظة موت شاعر

إنها لحظة.. لحظة قصيرة جدًّا في أول تلك اللحظة ترتفع أصوات وربما تحصل جلبة وصراخ، مثل بقية خلق الله، لكن بما أن الذي سيموت هو شاعر فإن اللغة تبدو كما يقول محمّد الثبيتي رحمة الله: بيضاء كالقار نافرة كعروق الزجاجة حين يموت شاعر تنعقد ألسنة الكون، وتلوذ رياح المشاعر...

محمّد الثبيتي.. صاحبي في الصمت والحزن الفصيح

محمّد الثبيتي.. صاحبي في الصمت والحزن الفصيح

جثم الحزن على قلبي وأنا أتلقى نبأ رحيل شاعرنا الكبير محمّد الثبيتي - رحمه الله - يوم الجمعة العاشر من صفر 1421هـ الموافق لليوم الرابع عشر من شهر يناير 2011م، وتبدت أمامي صورة ما زالت عالقة بذاكرتي، يوم أن نقل إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، كنت وقتها من بين من...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *