لحظة موت شاعر

3 أبريل، 2011 | في تأبين سيد البيد | 0 تعليقات

إنها لحظة..
لحظة قصيرة جدًّا
في أول تلك اللحظة ترتفع أصوات وربما تحصل جلبة وصراخ، مثل بقية خلق الله، لكن بما أن الذي سيموت هو شاعر فإن اللغة تبدو كما يقول محمّد الثبيتي رحمة الله:
بيضاء كالقار
نافرة كعروق الزجاجة

حين يموت شاعر تنعقد ألسنة الكون، وتلوذ رياح المشاعر بالصمت، الغيوم ترتفع وترتفع، الطيور تنتفض وتغادر رويدًا رويدا، والمساء الجميل يكفهر سريعًا سريعا، والزهور المتفتحة تترنح ببطء وتذوي لونًا لونا، والأوراق الخضراء تنقبض وتتساقط ورقة ورقة.
ترى من يوقظ هذا الكون، ترى من يوقد جذوة الإحساس في هذه الكائنات:
(من قال إن الزمان له ضفتان وأن الرمال لها أوردة)
في الشعر علامات فارقة لا يعرفها إلا النقاد والشعراء، أولئك الذين دفعوا إلى مضايقه، ولهذا قال الفرزدق إنه يعرف مواضع السجود في الشعر كما يعرف القرّاء مواضع السجود في القرآن، ومن ذلك لبيان مقدار تفوق الشاعر وعلو مرتبة نصه الشعري على نصوص أقرانه من الشعراء، وحين يموت شاعر من هذا النوع ترتفع الأصابع له بالشهادة، شهادة الإبداع المتفرد، وتخر له عروش أرباب الدواوين.
في وسط تلك اللحظة
حين يموت شاعر،
المشاعر، وألم المشاعر، بخور وقرابين، دعاء وصلوات الكلمات وحدها تجوس بالداخل، والمشيعون يتحركون على إيقاع البحر السريع.
في آخر تلك اللحظة
حين يموت شاعر
للتو تظهر القيم العليا، وفجأة يتحدث الناس للمرة الأولى عنه:
(لقد كان شاعرًا عظيما)
فاصلة من شعر محمّد الثبيتي:
– سلام عليك
سلام عليك فهذا دم الراحلين كتاب
من الوجد نتلوه
تلك مآثرهم في الرمال
وتلك مدافن أسرارهم
– يا حادي العيس فلترحل
هلم بنا
فالحائرون كثير، قبلنا رحلوا.

جريدي المنصوري

———————–

المصدر: المدينة

مقالات مشابهة

رحل الثبيتي تاركاً حياة ممتدة من كلمات

رحل الثبيتي تاركاً حياة ممتدة من كلمات

الشاعر لا يتركنا ويمضي بسلام، بل يجرعنا الغصص وهو يبتعد تاركاً بين أيدينا كما هائلا من التذكارات، حروفاً وكلمات، مشاعر وتعاويذ، قادرة ربما على صياغتنا وما حولنا من حياة، إن نحن أجدنا الاستماع إلى ما نفث من تأملات.الشاعر عبدالله ثابت قال عن رحيل محمد الثبيتي: آلمني...

محمّد الثبيتي.. صاحبي في الصمت والحزن الفصيح

محمّد الثبيتي.. صاحبي في الصمت والحزن الفصيح

جثم الحزن على قلبي وأنا أتلقى نبأ رحيل شاعرنا الكبير محمّد الثبيتي - رحمه الله - يوم الجمعة العاشر من صفر 1421هـ الموافق لليوم الرابع عشر من شهر يناير 2011م، وتبدت أمامي صورة ما زالت عالقة بذاكرتي، يوم أن نقل إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، كنت وقتها من بين من...

الثبيتي: بين الشعر والحياة

الثبيتي: بين الشعر والحياة

لم أكد ألتقط أنفاسي وأنا أتلقى خبر وفاة الصديق الشاعر محمد الثبيتي رحمه الله؛ حتى انهالت عليَّ الاتصالات من هنا وهناك؛ باحثة عن مشاركات في تأبين الراحل. والحقيقة هذا أقل القليل تجاه شخصية بحجم محمد الثبيتي رحمه الله. لكني لم استطع أن أكتب إلاّ بضعة أسطر أرسلتها...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *