في الأسبوع الماضي دعوت عددا من المثقفين والإعلاميين في بيتي على شرف الإعلامي المتميز الشاعر مفرح الشقيقي، وشرفني الأدباء الجميلون بحضورهم الأجمل فكان مساء رائعا اجتمع فيه نخبة من الأدباء والإعلاميين الذين أثروا المكان
بحوارهم الجاد حول بعض القضايا الأدبية والثقافية، وتمنيت أننا سمعنا منهم نصوصا شعرية، خصوصا وأنهم من شعرائنا البارزين ولهم حضورهم القوي في الساحة الأدبية ولكن الوقت انقضى في الحوارات التي أفدنا منها كثيرا، متمنيا أن تتكرر مثل هذه اللقاءات الحميمية بين المثقفين والأدباء والإعلاميين.
عند باب المنزل الخارجي استقبلت (البرنس) كما يحلو لنا تسمية الشاعر الجميل (علي الأمير) وقبل أن نتعانق مد لي كفه بهدية خاصة، وهمس في أذني معلقا لا أمتلك عددا من النسخ التي تكفي لأهدي جميع ضيوفك، فالمطابع لم ترسل لي سوى عدد قليل جدا، ولكنني خصصت لك هذه الهدية متمنيا أن تعجبك.
أول ما تبادر إلى ذهني أن هذه الهدية مجموعة شعرية جديدة للشاعر، عطفا على مكالمة هاتفية في الليلة السابقة بيننا لأدعوه لحضور المناسبة وقد أمتعني في تلك المكالمة بقراءة آخر نص شعري كتبه وكان نصا رائعا، بعنوان (إلى يوسف مصر)، قال في مطلعه:
أيُّها الصّدّيقُ..يا يوسفُ/
مصرُ اشتعلتْ خارجَ الحُلْمِ/
وفي ساحاتها يَخْتَالُ عِيْدْ/
ثم قال: أبشرك الكتاب وصل من المطابع، باركت له ولم أسأل عن ماهية الكتاب توقعت أنه مجموعة شعرية كالعادة، فقط طلبت نسختي موقعة، وعندما وصلتني منه فاجأني العنوان: [ الثبيتي يتلو أسارير البلاد]..الإيقاع ومقاربات المعنى في ترتيلة البدء (قراءة أسلوبية)، فرحت كثيرا لأسباب عديدة منها أننا حظينا بمولد ناقد جديد له أدواته المتكاملة وأسلوبه الجميل فالساحة الأدبية بحاجة إلى عدد من النقاد المخلصين الصادقين مع أنفسهم ومع المشهد الثقافي والأدبي.
وهناك أمر آخر أفرحني وهو الالتفات إلى شاعر بحجم الثبيتي الذي ترك وراءه موروثا أدبيا يحتاج من يبحث عنه ويسلط الضوء عليه في زمن شح فيه التكريم إلا بعد الموت، وقد أحسن (البرنس) صنعا بهذه الدراسة لعلها تكون فاتحة خير على نتاج الثبيتي الغزير، وأتمنى من جامعاتنا أن تلتفت إلى أدبائنا وتدرس نتاجهم الأدبي المتعدد من خلال أبحاث طلابهم ورسائلهم الجامعية.
تصفحت الكتاب على عجل، ولمحت الإهداء إلى روح سيد البيد، وبعد مغادرة الضيوف عدت إليه لأجد كتابا يقع في 112 صفحة من الحجم المتوسط، قدم له الشاعر أحمد السيد عطيف تقديما أدبيا راقيا بأسلوب شيق وبديع يليق به وبنا وبالثبيتي وبالتاريخ الأدبي والسياسي الذي عرج عليهما السيد من خلال الحديث عن فترة الثمانينيات التي لم تخل من الصراعات بين المثقفين وبعض الحركات الدينية والسياسية، حيث كانت الحداثة أحد أطرافها، ومعركة أفغانستان التي تم تسويقها على أنها جهاد في سبيل الله وما تبعها بعد ذلك إلى ما اتفق على تسميته بعصر (الصحوة)، كانت هذه هي البيئة الخصبة والمناخ السائد حيث ولدت مجموعة (التضاريس) للشاعر محمد الثبيتي.
وتأتي بعد ذلك مقدمة المؤلف بأسلوبٍ شاعريٍ بليغ، يجذبك من الوهلة الأولى ويأخذ بتلابيبك وأنت تقرأ: (من سيتلو أسارير البلاد غير شاعر عتقته رمال الجزيرة، واستودعته بكارتها.. من سيبوح بها غير ورق التين المطل من رمال الجزيرة.) يذكر (البرنس) أن دراسته تلقي الضوء فقط على جانب واحد من جوانب الإبداع الذي عني بموسيقاه الشعرية وما فيها من طاقات إيقاعية، تضافرت مع غيرها من المكونات الجمالية لتنتج معا شعرا متميزا.
من خلال التمهيد تم التعريف بالشاعر الثبيتي ثم ألمح الكاتب إلى تجربته الشعرية بصفة عامة، منوها بإصداراته الثلاثة المتتالية التي صدرت في الثمانينيات ومنها ديوان التضاريس الذي اختار منه نص الدراسة، ثم ذكر صمته الطويل الذي أنتج بعده ديوانه الرابع عام 1425 هـ، وأذكر أن مجموعة الثبيتي الكاملة صدرت عام 1430 هـ عن نادي حائل الأدبي متضمنة ديوانه الأخير الموشوم بعنوان (بوابة الريح).
تم تقسيم كتاب( الثبيتي يتلو أسارير البلاد) إلى ثلاثة فصول احتوى الفصل الأول على نشأة الأسلوبية وأهم مبادئها، واتجاهاتها ومناهجها، وفي الفصل الثاني ركز فيه الناقد على الإيقاع والدلالة معتمدا على البنية العروضية ( القافية أو الروي)، والبنى الأخرى كالصوتية والصرفية والبديعية، ثم استنطق نص (ترتيلة البدء) ومغامرة العقل الأولى قبل أن يختم دراسته بخاتمة قيمة ومفيدة اختصرت كامل الكتاب في أسلوب جميل وجذاب بعيدا عن التكلف والتقعر.
بقي أن أقول: إن الكتاب صادر عن نادي جازان الأدبي في طبعته الأولى 2014م، ولعلها فاتحة خير على نادينا الأدبي ليقدم لنا وجبات أدبية وثقافية يسعد بها جمهوره خلال هذا العام إن شاء الله، وما ذلك عليهم ببعيد.
أحمد الحربي
———————-
المصدر: صحيفة الشرق
0 تعليق