جدلية الحداثة والتراث في تجربة الثبيتي

20 مارس، 2010 | قراءات نقدية | 0 تعليقات

سعيد السريحيالقي الناقد الأدبي الدكتور سعيد السريحي محاضرة في نادي حائل الأدبي مساء أول (الأحد 9/2/1431) من أمس في القاعة الثقافية حول “” جدلية الحداثة والتراث في تجربة الثبيتي” ضمن نشاطات النادي وقدم لها عضو إدارة النادي الأدبي في حائل شتيوي الغيثي .
وقد استهل السريحي محاضرته بتقديم شرح للحداثة وللاختلافات بين وهم الطاعنين المنتصرين للحداثة بالتغريب والتنكر للتراث ووصف الذائدين عن التراث بالانغلاق والجهل ثم لا يدرك هؤلاء أن عظمة التراث تكمن في كونه تراث عالمي منفتح على العالم ومن معالم انفتاحه وجود الارمني والتركي والفارسي والبخاري ممن أعاد صياغته وكان اعلم من العربي من تراثه .

وأوضح السريحي أن الحداثة في جوهرها هي استعادة للتراث عن طريق مساءلته وان مفهوم القطيعة مع التراث هو قطيعة مع آليات التعامل معه بحيث تمكننا الآليات الحديثة التي نتعامل بها من استعادة وعينا بالتراث على نحو يمكننا من ربط الحاضر بالماضي وتجسير الهوة التي تقع بيننا وبين المستقبل .
وأكد السريحي أن الحداثة في جوهرها تستنبط إعادة قراءة التراث وان كبار أعلامها كانوا قراء متميزين لتراثهم وتمكنوا من وضع الوعي على عتبة جديدة في فهم التراث.
وأضاف السريحي إن كان جهد النقاد واضحا فأن جهد الشعراء أكثر وضوحا إذا ما تجاوزنا قليلا مرحلة الدهشة وما يمكن أن تفضي إليه من حب أعمى أو كره اشد عمى وتوقفنا عند لغة الشاعر باعتبارها حاملة لرابطة الدم التي توثق عراقة نسبه بجده الأول مهما كان ذلك الجد مغرقا في القدامة وها الحفيد مغرقا في الحداثة .
وبين السريحي إذا ما قرأنا الشعر باعتباره لغة توجب علينا أن نتجاوز مسألة الشكل الذي تأخذه القصيدة وإذا ما فعلنا ذلك تمكنا من أن نتبين أن بعض قصائد النثر وشعر التفعيلة تحمل من جنبات الجد الأول مالا تحمله قصائد تتوشح بالقوافي وتمارس السباحة في بحور الشعر .
وأكد السريحي أن الشعر لغة تحاول قراءة اللغة بل ان الشعر لغة اللغة وانه لا يكتفي بما يحيل إليه من إشارات تتصل بالأعلام او المواقع والأحداث بل ننظر إليه باعتباره لغة تحاول قراءة اللغة ونموذج لإحيائها من حيث تجاوز السياقات التي جاءت فيها وتحريرها مما تم التواطؤ على أخذها من دلالات الشعر عندئذ يعيد إلى اللغة بكارتها وإشراقها .
ومن ثم عرج السريحي على تجربة الثبيتي وقال: انه كان قاري جيد للغة ولو حسبنا ما يتوارى في قصائده من كلمات لوجدناه من أكثر الشعراء المعاصرين ثراء في معجمه اللغوي الذي يزخر بلغة تمتد من تخوم الأرض حتى أجوار السماء متجاوزا في ذلك ما يتسم به كثيرا من الشعراء المعاصرين في مدارس مختلفة. إن ثراء المعجم اللغوي يعني العلاقة الوطيدة بالتراث وليس الكلمات سوى كائنات شعرية تنسل في قصائده وتتناسل في كلماته نراها حيث تسير القوافي وتفصح التضاريس عن خصوبتها وينتصب العراف يتلو علينا نبأ القوم حيث عطلوا البيد ويطل من ثناياها ذي القرنين مكفنا بالملح والقطران.
وقال الدكتور السريحي : قبل التضاريس حمل ديوان الثبيتي “تهجيت حلما تهجيت وهما” بشارة إعادة قراءة اللغة فالتهجي إنما هو استعادة للغة وحينما يكون الحلم والوهم سبيلا للتهجي فإن ذلك يعني كسر جبرية المعنى عنها وإن كان ذلك كذلك أمكن لنا أن نفهم ولع محمد الثبيتي بالقراءات على نحو (هذه أولى القراءات)، (من شفاهي تقطر الشمس)، (صمتي لغة شاهقة)، (أتلو سورة أخرى على نار بأطراف الحجاز) هذه القراءات المتتابعة محاولة لكسر اللغة التي سماها (اللغة الحجرية) وحجرية اللغة إنما تأتي لانسداد الأفق الذي يمكن أن يعيد الحياة فيها والذي يستهدفها الشاعر (أمضي إلى المعنى) وانسداد المعنى بتحجر اللغة يقف حاجزا دون العالم وشعر الثبيتي نزع للجو الجاهلي من قلب اللغة ولذلك تبدو في شعره اللغة مربكة وكأنما يتحدث بها للمرة الأولى وما ذاك إلا أنه ينزع عنها ما تم حجره عليها من ولاءات لذلك يتجلى جدل الأضداد في شعره حيث تبدو اللغة بيضاء كالقار.
كسر جبرية المعنى تدل على ممارسة المساءلة للموروث باعتبار المعنى موروثا كامنا في الكلمة وحيث قال الثبيتي :”هبطت زنجية شقراء في ثوب من الرعب بديع” أثار عاصفة من نقد لم يستوعب المعنى و إعجاب لم يرتكز على فهم.

وأضاف: إن جدل الثبيتي مع لغة التراث لا يتحقق بآلية النقص فحسب بل يكشف التاريخ الكامن وراء كلمات والذي بدونه تبقى كلمات البيت عجماوات لا تفصح عن معنى . (تستوى خلف المدار الحر تنينا جميلا وبكارة نخلة حبلى ) وليس لنا أن نتفهم دلالة التنين هنا إلا إذا ما استعنا بكتاب الدميري في عجائب المخلوقات ليحدثنا عن أسطورة التنين التي تتحدث عن أكل لحمه يزيد فحولة الرجل وعن النخلة التي تنزل عند العرب منزلة الأنثى والتي تقول العرب أن طلع الذكر من النخل رائحة كرائحة المني فإذا ما أدركنا أن التنين والنخلة يحملان هذا البعد الأسطوري الكامن في تاريخ الكلمتين أدركنا كذلك السياق الذي يجيئان فيه ابتداء من تضاريس الخصوبة وانتهاء بمخاض الحجارة.
وأضاف السريحي: علاقة أخرى تترجم جدل علاقة محمد الثبيتي بالتراث تتمثل بأنه صانع أساطير كالقرين والبابلي أو كاتب شخصيات موازية كذلك كالمقني والصعلوك ولها جميعا تجذرها في التراث العربي.
وأكد السريحي ان محمد الثبيتي يعيد قراء التراث عبر لغته المنتسبة ألفاظا وتراكيب للتراث ولكن قراءته له كسر لجبرية المعنى مثل هذه القراءة تتم إعادة إحياء التراث.
وبدأت المداخلات بمداخلة للدكتور فهد العون بسؤاله حول المشاكل بين الحداثيين ومعارضوهم وصلت إلى أروقة المحاكم وقد أجاب السريحي: بأن الحداثة جلبت الشكل والريب والخوف مدللا عندما نشر محمد حسين عواد مصدومة قبل 84 عاما وذهب رجال إلى الملك عبدالعزيز ليطالبوا قتله أو تغريبه وانتهى الأمر بتوجيه إلى يوسف ياسين فكتب عشر مقالات للرد عليه في الجريدة الوحيدة آنذاك وبطرده من وضيفته فنحن نعاني من الرعب في المساءلة فصوت شيخ القبيلة أقوى من بقية الأصوات ونعيش مع الغربة منذ 1500 عام ونحن مجتمع ليس بمثقف وأي اختزان بالانفتاح يشكل خطرا وهذه مشكلة العرب فبقية الأمم عندما تختلف ترتقي فيما نحن العرب نرفض الاختلاف .
وفي سؤال للإعلامي بندر العمار قال فيه: لماذا لم يظهر الاهتمام بالثبيتي إلا بعد وعكته الصحية أجاب السريحي؟ الحمد لله أنهم اهتموا به، وهناك من المبدعين نسيوا حتى توفوا ولم يعلم بهم احد وفي سؤال آخر هل تنصل محمد الثبيتي من قيود القبيلة؟ أجاب السريحي أن اغلب رواد الحداثة من أبناء القبائل وأنهم وآمنوا بها أكثر من غيرهم واخلصوا لها .
وتساءل عضو هيئة التدريس في جامعة حائل الدكتور سليمان خاطر، لمن يكتب الثبيتي؟ وما فائدة الشعر الذي يكتبه ولا يقرأه إلا 5% من الشعب السعودي؟ ولماذا لا تدرج قصائده في المناهج الدراسية.؟
وأجاب السريحي: كتب الثبيتي شعرا صدر عن نادي حائل الأدبي واستمع إليه الجمهور في جزر فرسان، وكتب لذلك الطفل في مدينة أبها الذي بكى حرقة على مرضه ومن المعروف أن المتنبي توارد على شرح قصائده 30 شارحا وأبو تمام قيل له لما تقول مالا يفهم فرد عليهم لما لا تفهمون ما أقول.
وتساءلت رئيسة اللجنة النسائية في نادي حائل عائشة الشمري عن كيفية إنشاء نص توافقي بين القارئ والمقروء؟ وأجاب السريحي: إن المسالة تكمن بأن يكمل المعنى واقرب مثال لذلك نظرية الاستقبال، فأين يكمن المعنى هل يكمن في النص وبذلك يكون له معنى واحد أم هل يكمن في القارئ بعيدا عن النص لما أصبح للنصوص قيمة لذلك فالمعنى يكمن في المسافة بين القارئ والمقروء ومن هنا يأتي مفهوم القراءة.
وتسال الزميل الإعلامي مفرح الرشيدي عن هل لازال الاتجاه الذي حدث قبل 20 عاما بأن الحداثة قادرة على القفز على الاتجاهات الأكاديمية، وأشار الدكتور السريحي إلى انه بعيدا عن شخصنه القضية فلا يزال الحرس القديم يتحصنون داخل الجامعات وتساءل كيف لجامعة سعودية أن تمنح درجة الدكتوراه لباحث هزا بشاعر وبذلك البحث حصل على شهادة الدكتوراه بينما تمنع الدكتوراه عن الفريق المقابل.

واثنى رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي محمد الحمد على انتصار المحاضر للغة في الشعر والكشف عن التاريخ الكامن وراء الكلمات وكسر إطار الفهم العام للغة، وقال الحمد: هل ينسحب هذا على الموسيقى في الشعر وهل كتابة محمد الثبيتي لقصيدة النثر من خلال استلهام الوزن والمحافظة على روح الموسيقى الداخلية ؟
فأجاب السريحي: إنك وسعت أفقا جديدا بالنسبة لي لأن شعر التفعيلة يمكن أن ينظر إليه كذلك في ميزان الأوزان فقد اخرج عرب الأندلس أكثر من 800 وزن عبارة عن مجموعة من التركيبات الصوتية وإعادة تشكيلها حتى أعادوا التعامل مع هذه البحور، ودرستها نازك الملائكة حتى (انفرطت السبحة) مضيفا أصدقك القول إنني لا أكاد تفقه أذني عن ما يتحدثون عنه من موسيقى داخلية إنما هو إيقاع داخلي لأنه مرتبط بما يسمع والإيقاع الداخلي لقصيدة النثر لا يوجد له موسيقى، مشيرا إلى أنه لم يقرأ للثبيتي قصائد نثر، وأكد في الوقت نفسه على أن الثبيتي لم يكن يفضل قصيدة النثر.

المصدر: موقع النادي الأدبي بحائل

مقالات مشابهة

قصيدة ما قبل النفطي

قصيدة ما قبل النفطي

 قصيدة ما قبل النفطي الحدث الشعري في “موقف الرمال/موقف الجناس” لمحمد الثبيتي   حاتم الزهراني* يمكن مقاربة المشروع الجمالي للشاعر السعودي محمد الثبيتي (1952—2011) بتحليل نصوص "الذروة الشعرية" في ديوانه؛ وهي نصوص المرحلة التي بدأت بمجموعة "التضاريس"([1]) لتحدث...

المغامرة الإيقاعية وتنوّع الأشكال الشعرية في شعر الثبيتي

المغامرة الإيقاعية وتنوّع الأشكال الشعرية في شعر الثبيتي

يحرص الثّبيتي على تنويع الأشكال الشّعريّة في مدوّنته، ساعيا من وراء ذلك إلى اختبار الممكنات الجماليّة لكلّ شكل شعريّ. ولا عجب، فلكلّ شَكْلٍ شعريّ إرث من الأساليب الفنيّة المستعملة فيه تَسِمُهُ بمَلْمَحٍ خاصّ. ولقد كان الثّبيتي مدركا تمام الإدراك لهذا الأمر، فلم...

عتبات التهجي قراءة أولى في التجربة الشعرية عند الشاعر محمد الثبيتي*

عتبات التهجي قراءة أولى في التجربة الشعرية عند الشاعر محمد الثبيتي*

ساهم تسارع تطور التجربة الشعرية عند محمد الثبيتي في رفع وتيرة الإرباك الذي مس من كانوا يناصرون تلك التجربة بقدر ما مس أولئك الذين كانوا يناصبونها العداء، واقتسم الفريقان الحيرة إزاء هذه اللغة الجديدة التي كانت تشكل لفريق تبشيراً بآفاق جديدة موغلة في الحداثة، كما...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *