سيد البيد (نخلة لا تموت)

4 مايو، 2012 | قراءات نقدية | 1 تعليق

عبدالرحمن العكيمي لم يكن شاعرنا الراحل محمد الثبيتي يردد أبياته الشعرية دون دلالات لكنه كان يدرك هموم المرحلة التي يمر بها وتحمل أبياته دلالات لاتقف عن سقف محدد وهو الذي قال يرحمه الله (يوشك الماء أن يتخثر في رئة النهر) إنني كلما قرأت هذه الجملة الشعرية المسكونة بالدلالات أقف حزينا على ما آلت إليه ظروف الشاعر الثبيتي والوجع الذي عاناه كثيرا

فكانت رحلة المرض قاسية والظروف التي تحيط به أقسى من المرض ذاته حتى رحل يرحمه الله وهو مازال يتهجى الحلم وأبسط تلك الأحلام الصغيرة أن يمتلك مسكنا يؤوي به الأبناء بعد الرحيل.
أوقد شاعرنا الثبيتي الأسئلة في طرقات الرمل وفي (عروق الثرى وفي حلوق المصابيح) وظل مخلصا لتجربته الشعرية والتي أشرقت منذ صدور ديوانه الأول (عاشقة الزمن الوردي) مرورا بديوان (تهجيت حلما .. تهجيت وهما) ومرورا بديوانه الأهم (التضاريس) ولعل المتتبع للرحلة الإبداعية لسيد البيد يعثر على تنوع كبير سواء على المستوى الأسلوبي أو على مستوى الرؤيا وسنجد أيضا أن قصائده الأخيرة على وجه التحديد أي قبل رحيله بسنتين تقريبا نجد أنها جاءت مبتهلة لله عز وجل ومستمدة بوحها من مكان له عبقريته الخاصة وله نورانيته المضيئة في أقدس الأمكنة مكة المكرمة لتأتي مترعة بالحضور الروحاني الكبير فمن قصيدة (بوابة الريح) والتي جاءت بلغة التسبيح والابتهال إلى قصيدة (الرقية المكية) ففي بوابة الريح لغة تسبيح وابتهال يقول:
.. أبحرت تهوي إلى الأعماق قافيتي
ويرتقي في حبال الريح تسبيحي
وهو الذي يقول فيها أيضا:
مزمل في ثياب النور منتبذ تلقاء مكة أتلو آية الروح
أما في قصيدة (الرقية المكية) يجيء هائما بالمكان المقدس حيث أم القرى وكل التفاصيل المبهجة بمكة المكرمة يقول:
(صبحتها والخير في أسمائها
مسيتها والنور ملء سمائها
حبيتها بجلالها .. وكمالها ..
وبميمها .. وبكافها
.. وبهائها
ويقول:
وغمرت نفسي
في أقاصي
ليلها فخرجت مبتلا
بفيض بهائها
وطرقت ساحات النوى
حتى ظمئت إلى ثمالات الهوى
فسقيت روحي .. سلسبيلا من منابع مائها)
إن لغة محمد الثبيتي تتحول من أداة للكشف والاكتشاف إلى أداة للبوح والتسبيح فهي لغة اليقين والإيمان هكذا هو عراف الرمال وسيد البيد الذي سيظل في عروق الثرى نخلة لا تموت.. نسأل الله جلت قدرته أن يرحم شاعر التضاريس ويغفر له.

عبدالرحمن العكيمي

المصدر: صحيفة عكاظ

مقالات مشابهة

قصيدة ما قبل النفطي

قصيدة ما قبل النفطي

 قصيدة ما قبل النفطي الحدث الشعري في “موقف الرمال/موقف الجناس” لمحمد الثبيتي   حاتم الزهراني* يمكن مقاربة المشروع الجمالي للشاعر السعودي محمد الثبيتي (1952—2011) بتحليل نصوص "الذروة الشعرية" في ديوانه؛ وهي نصوص المرحلة التي بدأت بمجموعة "التضاريس"([1]) لتحدث...

المغامرة الإيقاعية وتنوّع الأشكال الشعرية في شعر الثبيتي

المغامرة الإيقاعية وتنوّع الأشكال الشعرية في شعر الثبيتي

يحرص الثّبيتي على تنويع الأشكال الشّعريّة في مدوّنته، ساعيا من وراء ذلك إلى اختبار الممكنات الجماليّة لكلّ شكل شعريّ. ولا عجب، فلكلّ شَكْلٍ شعريّ إرث من الأساليب الفنيّة المستعملة فيه تَسِمُهُ بمَلْمَحٍ خاصّ. ولقد كان الثّبيتي مدركا تمام الإدراك لهذا الأمر، فلم...

عتبات التهجي قراءة أولى في التجربة الشعرية عند الشاعر محمد الثبيتي*

عتبات التهجي قراءة أولى في التجربة الشعرية عند الشاعر محمد الثبيتي*

ساهم تسارع تطور التجربة الشعرية عند محمد الثبيتي في رفع وتيرة الإرباك الذي مس من كانوا يناصرون تلك التجربة بقدر ما مس أولئك الذين كانوا يناصبونها العداء، واقتسم الفريقان الحيرة إزاء هذه اللغة الجديدة التي كانت تشكل لفريق تبشيراً بآفاق جديدة موغلة في الحداثة، كما...

شارك برأيك

1 تعليق

  1. علي محمد الأمير

    علي الأمير

    صورة غلاف الكتاب ( ما استطعت تحميلها هنا)

    في ذكرى رحيل الثبيتي ..
    لن أزيد على الإهداء الذي في الكتاب:
    ” إلى سيد البيد .. وأنت الذي في عروق الثرى نخلة لا تموت”

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *